فصل: ذكر أيام مروان بن الحكم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية:

وبويع معاوية بن يزيد بن معاوية ويكنى أبا عبد الرحمن، وإنما كني أبا ليلى تقريعاً له لعجزه عن القيام بالأمر، وكانت العرب تفعل ذلك بالعاج من الرجال وفيه قال الشاعر:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها ** والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

وقيل بل الشعر قديم؛ تمثل به الشاعر في أيامه وأمه أم خالد ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة- في اليوم الذي هلك في أبوه يزيد وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة 64، ودفن بها.
وكانت أيامه أربعين يوماً، وقيل أقل من ذلك، وأكثر، وكان ربعة من الرجال نحيفاً يعتريه صفار.
وكتب له زمل بن عمرو العذري، وسليمان بن سعيد الخشني، وسرجون النصراني، وكان نقش خاتمه بالله ثقة معاوية وقاضيه أبو إدريس الخولاني، وحاجبه صفوان مولاه.

.ذكر أيام مروان بن الحكم:

وبويع مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا عبد الملك وأبا الحكم وأمه آمنة ابنة علقمة بن صفوان بن أمية في رجب سنة 64 بعد تنازع طويل كان بين شيعة بني أمية، ومن يهوى هواهم في عقد الأمر له، أو لخالد بن يزيد بن معاوية، وذلك أن الأمر اضطرب بعد معاوية بن يزيد بن معاوية.
وبايع الضحاك بن قيس الفهري وهو أمير دمشق يومئذ عبد الله بن الزبير وكذلك النعمان بن بشير الأنصاري بمصر، زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين وناتل بن قيس الجذامي بفلسطين، ودعي له على سائر منابر الحجاز ومصر والشأم والجزيرة والعراق وخراسان وسائر أمصار الإسلام إلا طبرية من بلاد الأردن، فإن حسان بن مالك بن بحدل الكلبي من بني حارثة بن جناب، وكان بها، امتنع من الدعاء لابن الزبير والدخول في طاعته واراد عقد الأمر لخالد ابن يزيد وكان ابن أختهم، واجتمع بنو أمية وشيعتهم، ومن يميل إليهم من رؤساء الشأم، فتشاوروا في عقد الأمر لخالد بن يزيد، وأبى آخرون إلا أن يعقدوا لمروان، إذ كان خالد صبياص لا يقاوم ابن الزبير ومروان شيخ مجرب بقية بني أمية في وقته، وكان تشاورهم بالجابية بين دمشق، وطبرية فأجمعوا على عقد الأمر له فبويع له بالخلافة، وجعل الأمر بعده لخالد بن يزيد بن معاوية، ولعمرو بن سعيد الأشدق بعده.
وخرج الضحاك عن مدينة دمشق فيمن معه من الزبيرية، واستمد من بالشأم على طاعة ابن الزبير فأمدوه بالجيوش والمالولاسلاح، فصارى في ثلاثين ألفاً من قيس بن عيلان، وغيرهم من مضر وأكثرهم فرسان، وكان مروان في ثلاثة عشرة ألفاً من اليمن من كلب وسواهم، وأكثرها رجالة، وفي ذلك اليوم يقول مروان:
لما رأيت الناس مالوا جنباً

والملك لا يؤخذ إلا غصبا

أعددت غسان لهم وكلباً

والسكسكيين رجالاً غلبا

وطيئاً يأبون إلا ضرباً

والقين تمشي في الحديد نكبا

ومن تنوخ مشمخراً صعباً

بالأعوجيات يثبن وثبا

وإن دنت قيس فقل لا قربا

فالتقوا بمرج راهط، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل الضحاك في جمع كثير من القيسية، وانهزم الباقون، وقيل إنهم أقاموا بالمرج عشرين يوماً يقتتلون في كل يوم، والحرب بينهم سجال. وإن مروان كادهم، ودعاهم إلى الموادعة والصلح، فلما اطمأنوا إلى ذلك شد عليهم وهم غارون على غير عدة ولا أهبة، فكان ذلك سبب هزيمتهم، فكانت هذه الوقعة سبب رد ملك بني أمية، وقد كان زال عنهم إلى بني أسج بن عبد العزى، ولذلك رأى قوم أن مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف، وهذه الوقعة من الوقائع المشهورة والأيام المذكورة، واليمانية تفتخر بها على النزارية، وقد أكثرت شعراؤها الافتخار بذلك، قال عمرو بن مخلاة الحمار الكلبي:
شفى النفس قتلىلم توسد خدودهاتلم بها طلس الذئاب وسودها:
بايدي كماة في الحروب مساعر ** على ضامرات ما تجف لبودها

أبحنا حمى الحيين قيس براهط ** وولت شذاذاً واستبيح شريدها

قول أيضاً:
رددنا لمروان الخلافة بعد ما ** جرى للزبيريين كل بريد

فألا يكن منا الخليفة نفسه ** فما نالها إلا ونحن شهود

وقال زفر بن الحارث الكلابي يعتذر من فراره ذلك اليوم:
لعمري لقد أبقت وقيعة أرهط ** لمروان صدعاً بينا متنائيا

أتذهب كلب لم تنلها رماحنا ** وتترك قتلى راهط هي ما هيا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ** وتبقى حزارات النفوس كما هيا

أريني سلاحي لا أبالك إنني ** أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا

فلم تر مني نبوة قبل هذه ** فراري وتركي صاحبي ورائيا

ونجاك شدات الأغر كأنما ** يرى الأكم من أجبال سلمى صحاريا

فلما أمنت القوم وامتدت الضحى ** بسنجار أذريت الدموع الدواريا

فرد عليه جواس بن القعطل الكلبي فقال:
لعمري لقد أبقت وقيعة أرهط ** على زفر داء من الداء باقيا

مقيماً ثوى بين الضلوع محله ** وبين الحشا أعيا الطبيب المداويا

دعا بسلاح ثم أحجم إذ رأى ** سيوف جناب والطول المذاكيا

عليها كأسد الغاب فتيان نجدة ** إذا ما انتضوا عند النزال العواليا

وفي ذلك يقول الفرزدق:
وقد جعلت للحين في المرج والقنا ** لمروان أيام عظام الملاحم

رأيت بني مروان جلت سيوفهم ** عشي كان في الأبصار تحت العمائم

ولو رام قيس غيرهم يوم راهط ** للأقى المنايا بالسيوف الصوارم

ولكن قيساً روغمت يوم راهط ** بطود أبي العاص الشديد الدعائم

وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي مخاطباً لعبد الملك:
أبوك حمى أمية حين زالت ** دعائمها وأصحر للضراب

وكان الملك قد وهيت قواه ** فرد الملك منها في النصاب

وقال عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان بن الحكم:
أرى أحاديث أهل المرج قد بلغت ** أقصى الفرات وأهل الفيض والنيل

أموالهم حرة في الأرض تلقطها ** فرسان كلب على الجرد الهذاليل

ثم سار مروان بعقب ذلك إلى مصر، وهم في طاعة ابن الزبير، وكانت له معهم حروب عظيمة قتل فيها خلق كثير من الفريقين إلى أن استوسقوا على طاعته، وأخرجوا عبد الرحمن بن جحم الفهري عامل ابن الزبير عنهم.
واستخلف مروان عليها ابنه عبد العزيز وذلك في سنة 65 وعاد إلى دمشق، وسرح عبيد الله بن زياد في جيوش كثيفة للغلبة على الجزيرة والعراق، وولاه كل بلد يغلب عليه، فسار في نحو من ثمانين ألفاً، فلما صار ببلاد الجزيرة بلغه مسير سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة وغيرهما في نحو من أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وكانوا يسمون جيش التوابين حتى صاروا إلى عين الوردة، وهي رأس العين فسرح إليهم عبيد الله ابن الحصين بن نمير وغيرهم من رؤساء الشأم، فالتقوا بها فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وأكثر ذلك الجيش، وتحمل من بقي في أول الليل راجعين إلى الكوفة. وذلك في السنة وهي سنة 65 وكانت وفاة مروان بن الحكم بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان من هذه السنة ودفن بها، وله إحدى وستون سنة.
وكانت ولايته تسعة أشهر وأياماً، وكان طوالاً أزرق بعيد الغور يركب الأمور بغير رهبة ويمضي للتدبير على غير روية وكتب له أبو الزعيزعة مولاه، وابن سرجون النصراني، سليمان بن سعيد الخشني، وعبيد بن أوس الغساني.
وكان نقش خاتمه العزة لله وقيل آمن بالله وقيل آمنت بالله العزيز الحكيم وقيل آمن بالعزيز الحكيم وقاضيه أبو إدريس الخولاني وحاجبه أبو سهيل الأسود مولاه، وقيل أبو المنهال مولاه.

.ذكر أيام عبد الملك بن مروان:

وبويع عبد الملك بن مروان ويكنى أبا الوليد وأمه عائشة ابنة معاوية بن المغيرة ابن أبي العاص بن أمية في رجب سنة 65 والحجاز والعراق وفارس وخراسان وما يلي ذلك من البلاد بيد ابن الزبير، وغلب المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي على الكوفة، وأظهر الدعاء إلى ابن الحنفية، وتجرد لقتلة الحسين فأباد، منهم خلقاً كثيراً.
وسار عبيد الله بن زياد إلى الموصل، وسير المختار إبراهيم بن الأشتر مالك ابن الحارث النخعي للقائه في اثني عشر ألفاً، فالتقوا بالزاب من أرض الموصل، فاقتتلوا قتالاً شديداً.
فقتل عبيد الله بن زياد، والحصين بن نمير السكوني، وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري في خلق عظيم من أهل الشأم، وذلك يوم عاشوراء سنة 67 وفي قتل عبيد الله يقول ابن مفرغ الحميري:
إن الذي عاش ختاراً بذمته ** ومات عبداً قتيل الله بالزاب

ولم يزال المختار مقيماً بالكوفة إلى أن سار مصعب بن الزبير في أهل البصرة ومعه المهلب بن أبي صفرة الأزدي، ثم العتيكي وغيره من الرؤساء، فهزمه وحصره في قصر الإمارة بالكوفة، إلى أن خرج مستميتاً في نفر من أصحابه، فجالد حتى قتل. وذلك للنصف من شهر رمضان من هذه السنة، وهي سنة 67، ونزل من بقي من أصحاب المختار وهم نحو من ستة آلاف على حكم مصعب فقتلهم جميعاً، وكانوا يسمون الخشبية.
قال المسعودي: وسار عبد الملك إلى العراق، فالتقى مع مصعب بن الزبير بمسكن من أرض العراق، فقتل مصعب في جمادى الأولى سنة 72. وفي ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات، وكان من شيعة آل الزبير:
إن الرزية يوم مس ** كن والمصيبة والفجيعة

بابن الحواري الذي ** لم يعده يوم الوقيعة

غدرت به مضر العرا ** ق وأمكنت منه ربيعة

ووجه بالحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، واسم ثقيف قسي ابن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر في عساكره إلى عبيد الله بن الزبير بن العوام، فحصره بمكة ثم بالمسجد الحرام، وقتل به يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة 73 وله ثلاث وسبعون سنة، وأمر به الحجاج فصلب، وأمه أسماء ابنة أبي بكر ذات النطاقين أخت عائشة لأمها، وأبيها وهي يومئذ باقية قد بلغت من السن مائة سنة لمي قع لها سن ولا ابيض لها شعر ولا أنكر لها عقل، غير أنها ذاهبة البصر، وكانت مدة أيامه وفتنته مذ مات معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إلى أن قتل ثمان سنين وتسعة أشهر.
ومما كان في أيام عبد الملك بن مروان من الحوادث العظيمة والأنباء الجليلة في الملك خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي في سنة 81، وكان الحجاج وجهه في جيش كثيف حسن العدة، وكان يسمى جيش الطواويس إلى سجستان لغزو رتبيل ملك زابلسنان، ففتح كثيراً من بلادهم، وكتب إليه الحجاج يستعجزه ويغلظ له، فدعا من معه من رؤساء أهل العراق إلى خلع الحجاج، فأجابوه إلى ذلك؛ لبغضهم الحجاج، وخوفهم سطوته، فخلعوه.
وسار عبد الرحمن راجعاً لإخراج الحجاج من العراق، ومسألة عبد الملك إبدالهم به، فلما عظمت جموعه ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقرائهم ونساكهم عند قربه منها خلع عبد الملك، وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعاً وسمى نفسه ناصر المؤمنين وذكر أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية وأنه يعيد الملك فيها، فقيل له إن القحطاني على ثلاثة أحرف، فقال اسمي عبد وأما الرحمن فليس من اسمي، وسار الحجاج للقائه حتى لقيه دون تستر من كور الأهواز بسبعة فراسخ، فهزم أصحاب الحجاج، وقتل منهم نحو من ثمانية آلاف. وسار الحجاج إلى البصرة، فنزل الراوية وسار ابن الأشعث حتى نزل الخريبة، وذلك في سنة 83. فأقاموا يقتتلون نحواً من شهرين، ثم خرج ابن الأشعث إلى الكوفة ليلاً ليتغلب عليها في نفر يسير وأصبح أصحابه، فبايعوا عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فلقيهم الحجاج فهزمهم، ولحقوا بابن الأشعث، فخرج ابن الأشعث من الكوفة حتى نزل دير الجماجم، وسار الحجاج حتى نزل دير قرة، وكان كتب إلى عبد الملك يستمده فأمده بابنه عبد الله بن عبد الملك وأخيه محمد بن مروان، فاقتتلوا بدير الجماجم نحواً من أربعة أشهر، فكانت الوقائع بينهم فيما قبل نحواً من ثمانين وقعة، وابن الأشعث في نحو من ثمانين ألفاً، وقيل أكثر من ذلك. والحجاج في دون جمعه ولم يكن بعد وقائع صفين أعظم من هذه الحروب ولا أهول من هذه الزحوف، ثم انهزم ابن الأشعث وأهل العراق، وقتل منهم جمع كثير، وسار ابن الأشعث إلى البصرة، وتبعه الحجاج فخرج عنها، فكان التقاؤهم بمسكن من أرض العراق، فهزم أهل العراق وقتلوا قتلاً ذريعاً، ومضى ابن الأشعث فيمن تبعه حتى صار إلى سجستان، وكاتب رتبيل وصار إليه فوجه الحجاج بجيش كثيف إلى سجستان. وكتب إلى رتبيل بتسليم ابن الأشعث فيمن تبعه، ورغبه إن فعل ذلك في مال جزيل ورفع الأتاوة عنه ويخوفه إن أبى ذلك بقصده وتسرية الجيوش إليه، فغدر به رتبيل وسلمه إلى صاحب الحجاج فسار به يريده فألقى ابن الأشعث نفسه من فوق قصر من قصور الرخّج فمات، فأخذ رأسه وصير به إلى الحجاج، وذلك في سنة 84. فوجه به الحجاج إلى عبد الملك فوجه به عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز بمصر وفي ذلك يقول الشاعر:
يا بعد مصرع جثة من رأسها ** رأس بمصر وجثة بالرخّج

قتلوه بغياً ثم قالوا بايعوا ** وجرى البريد برأس أروع بلج

وتوفي عبد الملك بدمشق لعشر خلون من شوال سنة 86، ودفن بها وله اثنتان وستون سنة، وقيل أكثر من ذلك، فكانت أيامه إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام، وكان أسمر مربوعاً، طويل اللحية، يباشر الأمور بنفسه، متيقظاً في سلطانه، حازماً في رأيه، لا يكل الأمور في أعدائه وأهل حربه إلى غيره حتى يباشرها بنفسه، يركب الخطأ في كثير من أموره فتغره السلامة وكتب له قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وأبو الزعيزعة، وعمرو بن الحارث مولى بني عامر بن لؤي، وسرجون بن منصور الرومي وكان نقش خاتمه آمنت به مخلصاً وعلى قضائه أبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن قيس بن عبد مناف وحاجبه يوسف مولاه، وقد حجبه أبو الزعيزعة وفي أيامه كانت وفاة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بالطائف ذاهب البصر سنة 68، وله إحدى وسبعون سنة، وكان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين، وصلى عليه محمد بن الحنفية أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب، وتوفي محمد بن الحنفية بالمدينة في المحرم سنة 81 وله خمس وستون سنة، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو يومئذ والي المدينة لعبد الملك، وللكيسانية من الشيعة فيه خطوب كثيرة طويلة ودعاوى كثيرة.

.ذكر أيام الوليد بن عبد الملك:

وبويع الوليد بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا العباس وأمه ولادة ابنة العباس بن جزء بن الحارث العبسي بدمشق في اليوم الذي توفي فيه عبد الملك، وتوفي بها للنصف من جمادى الآخرة سنة 96، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ودفن بها. وكانت مدته تسع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام، وكان طويلاً أسمر أفطس به أثر جدري، بمقدم لحيته شيب لم يغيره، وكان لحانة، شديد السطوة لا يتوقف عند الغضب، ولا ينظر في عاقبة، ولا يكلم عند سطوته، تهون عليه الدماء وكتب له عبد الله بن هلال الثقفي، وصالح بن عبد الرحمن مولى بني مرة بن عبيد، والقعقاع بن خليد العبسي، وسليمان بن سعد الخشني، وكان نقش خاتمه يا وليد إنك ميت وقاضيه أبو بكر محمد بن حزم، وحاجبه يزيد مولاه.
قال المسعودي: وكانت وفاة الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل عامله وعامل أبيه على العراق بواسط العراق في شهر رمضان سنة 95 قبل وفاة الوليد بتسعة أشهر، وكانت ولايته على العراق عشرين سنة. وترك في بيت المال مائة ألف ألف وبضعة عشر ألف ألف درهم، وتولى العراق وخراجها مائة ألف ألف درهم، فلم يزل بعنته وسوء سياسته حتى صار خراجها خمسة وعشرين ألف ألف درهم، ونظرت هند ابنة أسماء بن خارجة الفزاري إلى الحجاج مسجى، وكانت امرأته فطلقها فقالت:
ألا يا أيها الجسد المسجى ** لقد قرت بمصرعك العيون

وكنت قرين شيطان رجيم ** فلما مت سلمك القرين

وكان عدة من قتله الحجاج صبراً سوى من قتل في زحوفه وحروبه مائة ألف وعشرين ألفاً، منهم سعيد بن جبير صاحب عبد الله بن العباس، ويكنى أبا عبد الله مولى لبني والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، وكان أسود قتله في سنة 94 لخروجه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكميل بن زياد النخعي من بني صهبان صاحب علي بن أبي طالب، وتوفي وفي محبسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، وكان حبسه حائراً لا شيء فيه يكنهم فيه من حر ولا برد، ويسقون الماء مشوباً بالرماد.

.ذكر أيام سليمان بن عبد الملك:

وبويع سليمان بن عبد الملك بن مروان ويكنى أبا أيوب في اليوم الذي توفي فيه أخوه الوليد، وأمه ولادة أم أخيه الوليد وهلك وهو معسكر بمرج دابق من أعمال قنسرين، ممداً لأخيه مسلمة، وهو على حصار القسطنطينية يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة 99 وله تسع وثلاثون سنة، وكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر وخمس ليال، وكان طويلاً أبيض، جميلاً قضيفاً، جعد الشعر لم يشب، فصيح اللسان، كثير الأدب، لين الجانب، شديد العجب بشبابه وجماله، أكولاً، نهماً، نكاحاً، لا يعجل إلى سفك الدماء، ولا يستنكف عن مشورة النصحاء، فيه حسد شديد وكتب له عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، وسليمان بن نعيم الحميري، وابن بطريق النصراني.
وكان نقش خاتمه آمنت بالله وعلى قضائه محمد بن حزم وحاجبه أبو عبيدة مولاه وقيل مسلم مولاه.